محمد باسم :
جمعت بينهم مقاعد الدراسة في اول سنة لهم في الجامعة، زملاء من كلا الجنسين امتدت بينهم أواصر صداقة قوية. حيدر احد اولئك الطلبة، رغم أنه كان يحب جميع زملائه ويكن لهم احتراما ومودة متبادلين، غير أنه مال الى تلك الفتاة اكثر من البقية وخصها باهتمام متزايد. إنها منار، تلك الفتاة الجميلة والمرحة التي تشع بروح الدعابة والحيوية.
في باديء الأمر، اعتقد حيدر أن مشاعره تجاهها ﻻ تتعدى كونها مجرد إعجاب عابر، لكنه بمرور الأيام وقضاءه برفقتها ساعات طوال وهما يدرسان معا ضمن نفس المجموعة، اكتشف أن ما ينمو في دواخله لهو شيء اعظم من الإعجاب، لقد بدأت اعراضه تظهر جلية عليه، إنه يهتم بمنار كثيرا، بكل كلمة تقولها، بكل ابتسامة أو التفاتة منها، يفكر بها طوال الوقت، يتوق لرؤيتها، ويفتقدها اذا ما غابت. يضطرب قلبه حينما يكلمها، بات حذرا في اختيار كلماته معها، لقد أدرك اخيرا أنه وقع في حبها.
حاول كثيرا جذب انتباهها، لكنها لم تكن لتلحظ نهر عواطفه المتدفق نحوها. تتمع منار بشخصية قوية ليس من اليسير التأثير عليها، الأمر الذي جعل حيدر يعاني كثيرا في مسعاه.
ذات يوم وبينما كان الطلاب يمشون في الحديقة داخل الجامعة، مروا على شجيرات ورد الجوري المندى. وقبل أن تتقدم منار لقطف احداها، بادر حيدر وقطف وردة حمراء كبيرة ثم التفت الى منار وقال لها بخجل:
_هذه لك!
شعرت منار بقليل من الحياء، كيف يفعل ذلك أمام أنظار الطلاب؟! لم تود اخذها منه، لكنها خافت أن تجرح مشاعره اذا فعلت ذلك، فأخذت منه الوردة وقالت له:
_اشكرك يا حيدر، إنها وردة جميلة حقا.
_نعم إنها كذلك…
وكم تمنى أن يكمل عبارته “…لكنك أجمل منها بكثير”.
كان بالنسبة لها تصرفا عاديا بين صديقين، أما هو فقد عد ذلك اعترافا منها بأنها تهتم له وأن قبولها وردة منه يعني قبولها به وبحبه.
هكذا هم الرجال عادة، إنهم حالمون في حبهم، ما ان يقع الرجل في حب امرأة حتى يركن عقله جانبا ويستسلم لأهواء القلب وعلامات القدر كما يتصور، يبالغ في تفسير تصرفات من يحبها معه، يغار عليها اذا ما رآها تتحدث مع غيره ويشعر بالخطر يداهمه، يفسر أي ابتسامة أو نظرة عابرة منها ألف تفسير، ويظن أنها تهمس له بحبها وإعجابها من خلال ذلك، يتخيل أشياء كثيرة لكنه ﻻ يلبث حتى يكتشف أن كل استنتاجاته تلك كانت مجرد سراب ﻻ وجود له.
مرت الأيام وحبه لمنار يزداد وبات طيفها يقظ مضجعه، لم يعد قادرا على كتم مشاعره أكثر من ذلك، وبعد ساعات من التفكير المتواصل، قرر أن يعترف لها بحبه.
ذهب الى الكلية في الصباح، وكان طوال المحاضرة شارد الذهن يخطط ويرتب الكلمات والجمل استعدادا للحظة المرتقبة. وبعد حوالي الساعتين انتهت المحاضرة، خرج حيدر من القاعة وهو يجول ببصره بحثا عنها حتى وجدها كم رغب، تسير بمفردها مبتعدة عن تجمع الطلاب، لحق بها بخطوات بطيئة وهو غير متأكد مما سيفعله، أخذ يفكر مليا…
هل سأفعلها الآن؟ هل هذه هي اللحظة المناسبة؟ ماذا ستكون ردة فعلها يا ترى؟
وبعد كثير من التردد، أسرع الخطى نحوها مستسلما لنداء قلبه، وما ان اقترب منها وأراد أن يناديها حتى سمع صوت أحدهم يناديه، صوت أيقظه من سكرته، التفت حيدر فشاهد صديقه احمد متوجها نحوه، لن يتمكن الآن من الحديث مع حبيبته، لقد فشلت مخططاته.
في مساء ذلك اليوم، كان يشعر بالخيبة لأنه لم يتمكن من الإفصاح عن مشاعره. لم يطق الإنتظار حتى الصباح، فخطر بباله أن يكلم منار عن طريق الفيس بوك. قام وشغل حاسوبه ثم فتح صفحة منار التي حفظ كل تفاصيلها تقريبا لكثرة تردده عليها في الآونة الأخيرة، فتح رسالة جديدة وكتب:
“لن أتمكن من إخفاء مشاعري تجاهك أكثر من ذلك، من أجلك قاسيت الكثير، شقيت بك وبحبك، انا احتاجك يا منار، امنحيني حبك”.
وبأصابع مرتعدة وقلب يخفق بقوة ضغط على “ارسال”.
لقد فعلها، ﻻ مجال للتراجع الآن. وبعد انتظار دام ربع ساعة تقريبا، جاءه الجواب:
“منذ متى وانت تحبني؟”
لم يطمئن كثيرا لردها ولكنه أجابها على أي حال:
_ﻻ اعرف تاريخا لذلك، فقد تسلل حبك الى قلبي خفية منذ اول ايامنا معا.
_…….
_ألن تقولي شيئا؟
_سأجيبك على ما قلت، ولكن ليس الآن، بل في الغد.
وبعدها انقطعت رسائلها.
ظلت الأفكار تجول بخاطره طوال الليل وهو يتسائل عما سيؤول اليه الأمر غدا، لم يتمكن من أن يحزر ردها، لقد كانت مبهمة كما عرفها.
في اليوم التالي ذهب الى الكلية وكله حماس للقاء منار. وعند وصوله شاهدها هناك ولكنه لم يكلمها مباشرة وقرر أن ينتظر. وعندما حان موعد النقاش بين الطلاب بعد المحاضرة كالعادة، كان حيدر أول الواصلين للقاعة، بعدها وصل بقية رفاقه لكن منار لم تكن معهم. انتظر كثيرا ولم تأتي، سأل عنها احدى صديقاتها فأخبرته أنها لن تحضر لأنها خرجت مع صديقة لها منذ وقت قليل.
شعر بالأسى لما سمعه، كيف تسنى لها أن تغادر قبل أن تكلمه؟
وعاد خائب الآمال الى البيت، حزينا على كل ما يحدث معه، تمنى وقتها لو أنه لم يعرف منار ابدا. بعد أن تناول غدائه وأخذ قيلولة قصيرة، استيقظ لكي يدرس، فتح كتابه محاولا القراءة لكنه لم يستطع التركيز، كان باله مشغولا بمنار، أخذ يقلب صفحات الكتاب دون وعي وعندها سقط من بينها شيء على الأرض، وعندما التقطه من هناك، كانت بين يديه وردة جافة، دهش كثيرا، ما زال يتذكرها، إنها الوردة نفسها التي أهداها لمنار منذ فترة طويلة، كانت محتفظة بها طول تلك المدة ولكنها اعادتها اليه، لقد عرف جوابها الآن، فسقى تلك الوردة بدموعه.
—